
نظّمت مؤسسة ضوء ورشة حوارية نوعية بعنوان "الاستعمار والتهميش الداخلي وتحولات الهوية لدى الشباب في قطاع غزة"، بمشاركة شبابية واسعة من مختلف التجمعات الفلسطينية. جاءت هذه الورشة ضمن رؤية المؤسسة لخلق مساحات حوارية آمنة تعالج القضايا المعقدة التي تواجه الأجيال الفلسطينية، خصوصًا في ظل واقع حرب الابادة في قطاع غزة واستمرار سياسات الضم في الضفة الغربية والانقسام والاستعمار المستمر.
افتتحت الورشة السيدة يافا عطاطرة، رئيسة مجلس إدارة مؤسسة ضوء، بكلمة ترحيبية قدّمت فيها المؤسسة ورسالتها، كما عرّفت بالمشاركين، وهم الباحث علي عبد الوهاب، مقدم الورقة الحوارية، والدكتورة نبال خليل، المتخصصة في الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية، التي تولّت التعقيب على موضوع الورقة، فيما يسر اللقاء الأستاذ سلطان ياسين.
تناولت الورقة التي قدّمها الباحث علي عبد الوهاب التحولات التي طرأت على الهوية الفلسطينية لدى الشباب في قطاع غزة، مركّزًا على الدور الذي يلعبه الاستعمار وأدواته الحديثة في إعادة تشكيل وعي الشباب، وتفريغ مفاهيم النضال والانتماء من مضمونها الجماعي، لصالح ثقافة فردانية واستهلاكية يتم الترويج لها عبر الوسائط الرقمية. اعتبر عبد الوهاب أن التهميش الداخلي، إلى جانب الاستعمار الخارجي، أنتج بيئة معقّدة من التفكك المجتمعي والانفصال الرمزي بين الشباب وبُنية المشروع الوطني الفلسطيني.
وقدّمت الدكتورة نبال خليل تعقيبًا نقديًا على الورقة، مشدّدة على أن الهوية ليست ثابتة بل هي بناء اجتماعي متحوّل يتأثر بالسياقات التاريخية والسياسية والنفسية. وأشارت إلى أن الصدمات الجمعية المتكررة، والنزاعات الداخلية، وغياب المؤسسات التمثيلية العادلة، كلها تساهم في تعميق أزمة الهوية لدى الشباب، خاصة في قطاع غزة الذي يعيش حالة استثنائية من الحصار والتهميش البنيوي.
خلال النقاش المفتوح، عبّر العديد من المشاركين عن قلقهم من التفكك المتسارع في الهويات الجمعية، وتغوّل مشاعر الإحباط والعزلة في أوساط الشباب الفلسطيني، ليس فقط نتيجة ممارسات الاحتلال، بل بسبب عجز النظام السياسي الفلسطيني عن تجديد نفسه وفتح المجال أمام الأجيال الجديدة للمشاركة والتأثير. كما تم تسليط الضوء على التحديات النفسية والاجتماعية الناتجة عن استمرا الاحتلال، والتي ساهمت في إعادة تشكيل العلاقة بين الأفراد ومجتمعهم وهويتهم الوطنية.
ورغم سوداوية المشهد، اتسمت النقاشات بحس نقدي ومسؤول، وتحوّلت إلى مساحة إنتاج معرفي جماعي، عبّر من خلالها المشاركون عن وعي سياسي وثقافي عميق بحجم الأزمة، وعن رغبة حقيقية في بلورة مسارات فاعلة للمواجهة والانخراط في إعادة بناء المشروع الوطني الفلسطيني، انطلاقًا من سؤال الهوية والتمثيل السياسي.
وقد اختُتمت الورشة بجملة من التوصيات العملية التي تعبّر عن وعي جماعي بأهمية الانتقال من التشخيص إلى الفعل، ومن أبرزها:
العمل على تحويل الورقة المقدّمة إلى دراسة بحثية أكاديمية تُنشر في مجلة علمية متخصصة، بما يضمن توثيق وتحليل هذا الموضوع الهام بشكل علمي رصين.
دعوة الشباب الفلسطيني للمشاركة الفاعلة في صياغة استراتيجيات مواجهة السرديات والسياسات الاستعمارية التي تستهدف الهوية الوطنية الفلسطينية، خاصة عبر وسائل الإعلام ووسائط التواصل الحديثة.
الاستمرار في توفير مساحات حوارية آمنة ومنفتحة للشباب في مختلف المناطق الفلسطينية، لتعزيز التواصل المجتمعي وتبادل التجارب.
تشجيع المبادرات الشبابية التي تسعى إلى إعادة بناء وتعزيز الهوية الفلسطينية الجمعية، وخاصة في الأماكن المهمّشة والمقطوعة عن المركز السياسي والثقافي.
تكثيف العمل الشبابي الهادف الى الضغط على الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني الفلسطينية لتوسيع فرص مشاركة الشباب في الأدوار القيادية، على المستويين السياسي والاجتماعي، بما يضمن تجديد النخبة السياسية الفلسطينية بطريقة شاملة وعادلة.
التأكيد على مركزية الوحدة الوطنية كأداة رئيسية لمواجهة التفكك السياسي والاجتماعي، واستعادة المعنى الجماعي للهوية الفلسطينية في مواجهة مشاريع التفتيت والتطبيع.
اختتمت رئيسة مجلس إدارة مؤسسة ضوء اللقاء بالتأكيد على أن هذه الورشة ليست سوى بداية لمسار طويل من العمل التراكمي، داعية الحضور إلى الاستمرار في إنتاج خطاب نقدي ومسؤول، ومؤكدة التزام المؤسسة بدعم الأصوات الشبابية، وتوثيق التحولات الاجتماعية والسياسية التي يعيشها الفلسطينيون، خصوصًا في ظل تصاعد أدوات القمع والهيمنة، وغياب الأفق السياسي العادل.
